مستقبل قيادة حماس- تحديات الشتات وخيارات التموضع بعد طوفان الأقصى

المؤلف: مَاجد إبراهيم11.03.2025
مستقبل قيادة حماس- تحديات الشتات وخيارات التموضع بعد طوفان الأقصى

تصاعدت مجدداً قضية انتقال قادة حركة حماس إلى دول أخرى، وذلك عقب الضجة الإعلامية التي أثارتها صحيفة "WSJ" الأميركية، حيث أشارت إلى أن القيادة السياسية للحركة تدرس بجدية نقل مقرها من الدوحة إلى دولة أخرى. ويعزى هذا التحرك المحتمل إلى الضغوط المتزايدة التي يمارسها أعضاء في الكونغرس الأميركي على دولة قطر، مطالبين إياها بإلزام حماس بالموافقة على التصور الإسرائيلي لصفقة تبادل الأسرى.

وتزامن هذا التداول مع إعلان دولة قطر عن إجرائها لتقييم شامل لدورها كوسيط، بالإضافة إلى الزيارة التي قام بها وفد قيادي رفيع المستوى برئاسة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، إلى تركيا. وقد أضفت هذه التطورات زخماً إضافياً على تلك الإشاعات، مما ساهم في صرف الأنظار عن التعنت الإسرائيلي في المفاوضات المتعلقة بصفقة تبادل الأسرى.

ضغوط إسرائيل.. وموقف قطري

وقد بادرت قيادة حماس بنفي هذه الأخبار المتداولة، خاصة وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد وجه دعوة رسمية لها لزيارة تركيا قبل فترة وجيزة من إعلان قطر عن إعادة النظر في وساطتها. والجدير بالذكر أن هذه الإشاعات – التي غالباً ما يتم تداولها عبر وسائل الإعلام المقربة من حكومة الاحتلال – تظهر بشكل متكرر في كل مرحلة تصل فيها المفاوضات إلى طريق مسدود، وذلك نتيجة لتعنت موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يرفض وقف إطلاق النار خشية أن يفتح ذلك الباب واسعاً أمام محاكمته بتهم الفساد والفشل في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول!

ويهدف نتنياهو من خلال ترويج هذه الأخبار المضللة إلى إظهار حركة حماس وكأنها الطرف المتسبب في عرقلة المفاوضات، وذلك في إطار محاولاته المستمرة لتضليل الرأي العام الإسرائيلي والتغطية على موقفه المتصلب الرافض للتوصل إلى هدنة.

وبهدف تحقيق الموضوعية، تجدر الإشارة إلى أن دولة قطر لا تزال ملتزمة بدور الوساطة، إلا أنها تقوم في الوقت ذاته بتحركات استراتيجية تهدف إلى تحريك الوضع الراهن وحث الولايات المتحدة على ممارسة ضغوط حقيقية على نتنياهو للتراجع عن موقفه، خاصة بعد أن أبدت حماس مرونة ملحوظة في المفاوضات، مع تمسكها بالثوابت المتمثلة في الانسحاب الإسرائيلي الكامل وعودة النازحين إلى مناطقهم في شمال قطاع غزة. بل إن هذا الموقف القطري قد يخدم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي قد تستخدمه كورقة ضغط إضافية على نتنياهو!

ويسعى نتنياهو أيضاً إلى ممارسة ضغوط على دولة قطر لحثها على ممارسة نفوذها على حركة حماس، بحكم استضافة الدوحة لقيادة الحركة، وهو الدور الذي ترفضه قطر بشدة، وتصر على الاضطلاع بدور الوسيط النزيه والمحايد. إلا أن نتنياهو يدرك تمام الإدراك أن مغادرة قيادة حماس لدولة قطر قد تؤدي إلى توقف مفاوضات تبادل الأسرى بشكل كامل، وهو ما سيضر بالصورة التي يسعى نتنياهو لتكريسها عن نفسه!

تحدي الاستئصال

لا يتعلق هذا المقال فقط بوجود حماس وخياراتها في الشتات، بل يتناول أيضاً مستقبل هذا الوجود في ضوء التداعيات الكارثية لعملية طوفان الأقصى. فبغض النظر عن النوايا والأهداف التي كانت في ذهن مخططي عملية طوفان الأقصى، فقد أنهت هذه العملية أي إمكانية لتعايش الاحتلال الإسرائيلي مع حركة حماس التي كانت تحكم قطاع غزة، والتي كان يتعامل معها الإسرائيليون كأمر واقع، طالما أنها لم تشكل تهديداً وجودياً للكيان.

وعلى الرغم من تمسك حركة حماس بالمقاومة ورفضها المطلق لوجود الاحتلال، ورفضها لفكرة القبول به عبر اتفاقية سلام على غرار ما فعلته السلطة الفلسطينية في رام الله، فقد سعت الحركة في ظل حالة الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي المستمرة منذ العام 2007، إلى إيجاد توازن دقيق بين تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية لسكان قطاع غزة، والاستمرار في المقاومة المسلحة. الأمر الذي كان يقتضي التناوب بين فترات الحرب والتهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، وصولاً إلى هجمة 7 أكتوبر/تشرين الأول التي هدفت من خلالها الحركة إلى امتلاك أوراق ضغط جديدة لإجبار الكيان على إبرام صفقة تبادل الأسرى والتوقف عن انتهاك الحقوق والمقدسات الفلسطينية.

وعليه، فإن مرحلة ما بعد عملية طوفان الأقصى تختلف جوهرياً عما قبلها، فقد دخلت إسرائيل وحماس في حرب ضروس لا هوادة فيها. ولم يكتفِ الاحتلال بالحرب المدمرة التي يشنها على قطاع غزة، بل شن أيضاً حرباً لا تقل شراسة على حركة حماس في الضفة الغربية، بهدف اقتلاعها واجتثاثها من جذورها، حتى وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجونه إلى نحو 10 آلاف معتقل، بالإضافة إلى الآلاف من المعتقلين في قطاع غزة. كما أرفق الاحتلال ذلك بتهديدات صريحة باغتيال قادة حماس السياسيين المتواجدين في كل من قطر وتركيا ولبنان، فضلاً عن التواجد المحدود في بعض البلدان العربية الأخرى.

ومن هنا، فإن تحدي الاستئصال الذي يواجه حركة حماس يشمل كافة ساحات وجودها داخل وخارج الأراضي المحتلة، وإن كان يتسم بالكثافة والشمولية في قطاع غزة والضفة الغربية، والانتقائية واستهداف الوجود السياسي للحركة خارج الأراضي المحتلة.

وللتاريخ، فإن قيادة حركة حماس في الخارج لم تتمكن من الاستقرار في ساحة محددة منذ نشأة الحركة في العام 1987. فقد كانت البدايات الأولى لوجود مكتبها السياسي في الأردن، إضافة إلى لبنان مع موجة الإبعاد في العام 1992، قبل أن تضطر الحركة لمغادرة الأردن في العام 1999 على إثر اعتقال السلطات الأردنية لعدد من أعضاء المكتب.

وقد عقد الأردن اتفاقاً مع دولة قطر لاستقبالهم برعاية وقبول أميركيين، خشية توجههم إلى إيران!

إلا أن الحركة نقلت بعد ذلك ثقلها السياسي إلى كل من سوريا ولبنان، قبل أن تضطر للعودة إلى دولة قطر في العام 2012 بعد اندلاع الثورة السورية، حيث رأت الحركة أنها لا تستطيع الحفاظ على الحياد في ظل مطالبة النظام السوري لها باتخاذ موقف مناهض للثورة.

ومنذ ذلك الحين، عملت قيادة الحركة على توزيع ثقلها القيادي ما بين قطر وتركيا إضافة إلى لبنان، فضلاً عن احتفاظها بتمثيل سياسي في كل من إيران ولبنان والجزائر والسعودية، وذلك قبل أن يتعرض عدد من كوادرها، ومن بينهم ممثلها السابق، لحملة اعتقالات في السعودية.

وتشكل هذه الحالة جزءاً لا يتجزأ من حالة الشتات الفلسطيني المزمنة، حيث لم يتمكن الفلسطينيون من الاستقرار بشكل دائم في بلد معين، إذ تجد اللاجئين والنازحين الفلسطينيين يتنقلون في شتى بقاع الأرض بحثاً عن لقمة العيش والاستقرار.

تهديد الاغتيال

وتمثل مرحلة ما بعد عملية طوفان الأقصى تحدياً جديداً لقيادة حركة حماس في الشتات، حيث أصبحت قيادة الحركة هدفاً مشروعاً لتهديدات الاغتيال الإسرائيلية، فضلاً عن احتمال تغير الظروف الجيوسياسية التي قد تدفع هذه القيادة إلى إعادة التموضع في المنطقة.

ويبدو أن تغيير تواجد قيادة حركة حماس في دولة قطر ليس مطروحاً على الطاولة في هذه المرحلة، إذ إن حاجة الاحتلال لوجود هذه القيادة لا تزال قائمة، وذلك ما عبرت عن أهميته مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى بعد التقارير التي تحدثت عن احتمال نقل حماس مقر قيادتها السياسية من دولة قطر، مؤكدة أنه لا يوجد بديل عن دولة قطر في مفاوضات تبادل الأسرى.

كما أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ما زالت تضع ثقتها الكاملة في الوساطة القطرية، التي سبق لها أن حققت نجاحات ملحوظة في كل من لبنان والسودان واليمن وأفغانستان. إلا أن ذلك لن يمنع هذه الإدارة من الاستجابة للمطالب الإسرائيلية بعد انتهاء عملية المفاوضات، ومطالبة دولة قطر بإخراج قادة حماس من أراضيها.

وبكل تأكيد، فإن واشنطن لن تقبل بقيام الاحتلال الإسرائيلي باغتيال قادة حركة حماس في دولة قطر، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى مغادرتهم إلى مكان آخر.

شتات جديد

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الزيارة التي قام بها وفد قيادي رفيع المستوى من حركة حماس إلى تركيا، والاحتفاء الكبير الذي قوبلوا به من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصف حركة حماس بأنها حركة تحرر وطني على طراز حركة المقاومة التركية التي حررت الأناضول. إذ يؤشر ذلك إلى البديل المستقبلي الجديد لقادة حركة حماس، الذين يتواجد جزء منهم بالفعل في مدينة إسطنبول. إلا أن هذا البديل ينطوي على مخاطر مستقبلية محتملة في حالة تغير الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة أو حتى خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم!

وتمثل إيران بديلاً آخر ربما يكون أكثر استقراراً لقيادة حركة حماس، إلا أن الحركة ستفضل تجنب هذا الخيار في الوقت الحالي، حفاظاً على قاعدتها السنية بعيداً عن الاتهامات السابقة لها بالتحالف مع إيران وأتباعها، وهي الاتهامات التي تم تفنيدها بشكل قاطع بعد أن تأكد للجميع أن معركة طوفان الأقصى قد تم تصميمها وتنفيذها بأيادٍ فلسطينية خالصة.

أما البديل الآخر فهو الجمهورية العربية السورية، التي حظيت فيها حركة حماس برعاية ذهبية على يد النظام السوري منذ الخروج من الأردن في العام 1999 وحتى اندلاع الثورة السورية في العام 2011. إلا أن هذا الخيار لا يبدو ناضجاً حتى الآن، في ظل استمرار تحفظ النظام السوري على وجود مكثف لقيادات الحركة هناك، حتى بعد استعادة العلاقات بين الطرفين في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2022.

أما لبنان، فستظل ساحة مفتوحة لوجود عناصر وقيادات من حركة حماس، إلا أنها ساحة ذات خطورة أمنية عالية، كما أنها مرهونة بشكل كبير بالنفوذ الإيراني، وقد لا تصلح لوجود قيادي ثقيل ومؤثر فيها.

ولا شك أن الشكل الذي ستنتهي إليه القيادة السياسية في قطاع غزة، وطبيعة القيادة والمرجعية الفلسطينية التي ستتشكل بعد انتهاء معركة غزة، سيؤثران بشكل أو بآخر على تموضع حركة حماس في قيادة الفلسطينيين في الداخل والخارج.

ونستحضر هنا شهادات لمسؤولين استخباراتيين وعسكريين بارزين في الولايات المتحدة، والذين أكدوا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن "القتال مع حركة حماس قد يستمر لسنوات عديدة أخرى، وأن على إسرائيل أن تدرك أنها لن تكون قادرة على تدمير حركة حماس بشكل كامل، وأن تكتفي بقدرتها على منع وقوع مذبحة أخرى مماثلة لتلك التي حدثت في 7 أكتوبر/تشرين الأول"، وأن المقاومة الفلسطينية ليست مجرد بنية مادية، بل هي فكرة متجذرة في النفوس، وعلى الرغم من الدمار الهائل الذي ألحقته إسرائيل بقطاع غزة، فمن المرجح أن العديد من سكان القطاع ينتظرون بفارغ الصبر الانضمام إلى صفوف المقاومة".

وقد تفرض معطيات المعركة الراهنة أشكالاً مختلفة من العمل التنظيمي لقيادة الحركة في الداخل والخارج، بما في ذلك تحدي وحدة القرار والتحكم والسيطرة، إلا أن الحركة ستحافظ بكل تأكيد على استقلاليتها كما أثبتت ذلك من قبل، وستظل تتمتع بحيويتها ودورها الريادي المحوري في القضية الفلسطينية. وسيكون طوفان الأقصى بمثابة حالة انبعاث حقيقية للقضية الفلسطينية، ومقدمة حقيقية ومبشرة لمعركة التحرير الشاملة، وسيكنس اتفاقات التسوية والاستسلام للعدو التي تورطت فيها القيادة الفلسطينية، والتي دخلت على إثرها في مرحلة تيه وضياع فقدت فيها البوصلة، بل وتآمرت على المقاومة.

وربما نشهد في المرحلة المقبلة تغيرات جذرية في المشهد الإقليمي قد تسفر عن وفرة في خيارات تموضع قيادة المقاومة في الخارج، وذلك على اعتبار التأثيرات الإيجابية المتوقعة لعملية طوفان الأقصى على مسار القضية الفلسطينية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة